الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
وقد ذكر المؤلف في هذا الباب أربع آيات، أولها ما جعله ترجمة للباب، وهي: قوله تعالى: ? والفاء لتحسين اللفظ وليست عاطفة، لأن في الجملة حرف عطف وهو الواو، ولا يمكن أن نعطف الجملة بعاطفين، فتكون لتحسين اللفظ، كقوله تعالى: ? بل الله فاعبد ?، والتقدير: " بل الله أعبد ". قوله: ? إن كنتم مؤمنين ?. ? إن ?: شرطية، وفعل الشرط ? كنتم ?، وجوابه قيل: إنه محذوف دل عليه ما قبله، وتقدير الكلام: إن كنتم مؤمنين فتوكلوا، وقيل: إنه في مثل هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب اكتفاء بما سبق، فيكون ما سبق كأنه فعل معلق بهذا الشيء، وهذا أرجح، لأن الأصل عدم الحذف. وقول أصحاب موسى في هذه الآية يفيد أن التوكل من الإيمان ومن مقتضياته، كما لو قلت: إن كنت كريمًا فأكرم الضيف. فيقتضي أن إكرام الضيف من الكرم. وهذه الآية تقتضي انتفاء كمال الإيمان بانتفاء التوكل على الله إلا إن حصل اعتماد كلي على غير الله فهو شرك أكبر ينتفي الإيمان كله.
وقوله: ? * الآية الثانية قوله تعالى: {إنما المؤمنون} ? إنما ?: أداة حصر، والحصر هو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، والمعنى: ما المؤمنون إلا هؤلاء. وذكر الله في هذه الآية وما بعدها خمسة أوصاف: أحدها: قوله ? الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ?، أي: خافت لما فيها من تعظيم الله تعالى، مثال ذلك: رجل هم بمعصية، فذكر الله أو ذُكر به، وقيل هل: اتق الله. فإن كان مؤمنًا، فإنه سيخاف، وهذا هو علامة الإيمان. الوصف الثاني: قوله: الوصف الثالث: قوله الوصف الرابع: قوله: الوصف الخامس: قوله: وقوله: وقوله: ? الآية الثالثة قوله تعالى: و {النبي} فعيل بمعنى مفعل بفتح العين ومفعل بكسرها، أي: منبأ، ومنبيء، فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ منبأ من قبل الله، ومنبي لعباد الله. قوله: {حسبك الله}. أي كافيك، والحسب: الكافي، ومنه قوله أُعطي درهمًا فحسب، وحسب خبر مقدم، ولفظ الجلالة مبتدأ مؤخر، والمعنى: ما الله إلا حسبك، ويجوز العكس، أي: أن تكون حسب مبتدأ ولفظ الجلالة خبره، ويكون المعنى: ما حسبك إلا الله، وهذا أرجح. قوله: وهذا ضعيف، والجواب عنه من وجوه: أولا: قولهم عطف عليه لكونه أقرب ليس صحيح، فقد يكون العطف على شيء سابق، حتى إن النحويين قالوا: إذا تعددت المعطوفات يكون العطف على الأول. ثانيًا: قولهم لو عطف على الكاف لوجب إعادة الجار، والصحيح أنه ليس بلازم، كما قال ابن مالك: ليس عندي لازما إذ قد أتى في النثر والنظم الصحيح مثبتا ثالثا: استدلالهم بقوله تعالى: فالتأييد لهم غير كونهم حسبه، لأن معنى كونهم حسبه أن يعتمد عليهم، ومعنى كونهم يؤيدونه أي ينصرونه مع استقلاله بنفسه، وبينهما فرق. رابعًا: أن الله ? سبحانه ? حينما يذكر الحسب يخلصه لنفسه، قال تعالى: خامسًا: أن في قوله: {ومن اتبعك} ما يمنع أن يكون الصحابة حسبًا للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وذلك لأنهم تابعون، فكيف يكون التابع حسبًا للمتبوع؟! هذا لا يستقيم أبدًا، فالصواب أنه معطوف على الكاف في قوله: {حسبك}، أي: وحسب من اتبعك من المؤمنين، فتوكلوا عليه جميعًا أنت ومن اتبعك. * * * وعن ابن عباس، قال: * الآية الرابعة قوله تعالى: والآية تفيد بمفهومها أن من توكل على غير الله خذل، لأن غير الله لا يكون حسبًا كما تقدم، فمن توكل على غير الله تخلى الله عنه، وصار موكولًا إلى هذا الشيء ولم يحصل له مقصوده، وابتعد عن الله بمقدار توكله على غير الله. قوله في أثر ابن عباس رضي الله عنهما: وهذا في نص القرآن لما انصرف أبو سفيان من أحد أراد أن يرجع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ليقضي عليهم بزعمه، فلقي ركبًا، فقال لهم: إلى أين تذهبون؟ قالوا: نذهب إلى المدينة. فقال: بلغوا محمدًا وأصحابه أنا راجعون إليهم فقاضون عليهم. فجاء الركب إلى المدينة، فبلغوهم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن منعه: حسبنا الله ونعم الوكيل. وخرجوا في نحو سبعين راكبًا، حتى بلغوا حمراء الآسد، ثم إن أبا سفيان تراجع عن رأيه وانصرف إلى مكة، وهذا من كفاية الله لرسوله وللمؤمنين، حيث اعتمدوا عليه تعالى. قوله: " قال لهم الناس ". أي الركب. قوله: "إن الناس" أي: أبا سفيان ومن معه، وكلمة الناس هنا يُمِّل بها الأصوليون للعام الذي أريد به الخصوص. قوله: "حسبنا" أي: كافينا وهي مبتدأ ولفظ الجلالة خبره. قوله: {نعم الوكيل}. {نعم}: فعل ماض، {الوكيل}: فاعل، والمخصوص محذوف تقديره: هو، أي: الله، والوكيل: المعتمد عليه سبحانه، والله - سبحانه- يطلق عليه اسم وكيل، وهو أيضًا مُوكِّل، والوكيل في مثل قوله تعالى: {نعم الوكيل}، وقوله تعالى: وليس المراد بالتوكيل هنا إنابة الغير فيما يحتاج إلى الاستنابة فيه، فليس توكيله سبحانه من حاجة له، بل المراد بالتوكيل الاستخلاف في الأرض لينظر كيف يعملون. وقول ابن عباس رضي الله عنهما: "إن إبراهيم قالها حين ألقي في النار" قول لا مجال للرأي فيه، فيكون له حكم الرفع. وابن عباس ممن يروي عن بني إسرائيل، فيحتمل أنه أخذه منهم، ولكن جزمه بهذا، وقرنه لما قاله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما يبعد أن يكون أخذه من بني إسرائيل. الشاهد من الآية: قوله تعالى: قولنا: "وابن عباس ممن يروي عن بني إسرائيل" قول مشهور عند علماء المصطلح، لكن فيه نظر، فإن ابن عباس رضي الله عنهما ممن ينكر الأخذ عن بني إسرائيل، ففي "صحيح البخاري" (5/291- فتح) أنه قال: " يا معشر المسلمين ! كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدث الأخبار بالله تقرؤونه لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب؟! فقالوا: هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟ ! ولا والله ما رأينا منهم رجلًا يسألكم عن الذي أنزل عليكم ". * فيه مسائل: الأولى: أن التوكل من الفرائض. الثانية: أنه من شروط الإيمان. الثالثة: تفسير آية الأنفال. الرابعة: تفسير الآية في آخرها. الخامسة: تفسير آية الطلاق. السادسة: عظم شأن هذه الكلمة، وأنها قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الشدائد فيه مسائل: الأول: أن التوكل من الفرائض. ووجهه أن الله علق الإيمان بالتوكل في قوله تعالى: الثانية: أنه من شروط الإيمان. تؤخذ من قوله تعالى: الثالثة: تفسير آية الأنفال. وهي قوله تعالى: الرابعة: تفسير الآية في آخرها، أي: آخر الأنفال. وهي قوله تعالى: الخامسة: تفسير آية الطلاق. وهي قوله تعالى: * السادسة: عظم شأن هذه الكلمة، وأنها قول إبراهيم عليه السلام ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الشدائد. يعني قول: وفي الباب مسائل غير ما ذكره المؤلف، منها: زيادة الإيمان، لقوله تعالى: ومنها: أنه عند الشدائد ينبغي للإنسان أن يعتمد على الله مع فعل الأسباب، لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه قالوا ذلك عندما قيل لهم: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، ولكنهم فوضوا الأمر إلى الله، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. ومنها: أن اتباعه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الإيمان سبب لكفاية الله للعبد. ***
|